التراث العمراني هوية وشخصية المكان

التراث العمراني هوية وشخصية المكان




اعداد/ أديب قائد العامري – دكتواره تخطيط حضري وإقليمي

تعتبر العمارة مقياس لتقدم أو تأخر الشعوب، وتتخذ من العمارة عادة رمز لتعريف هوية الدول مثلاً فرنسا (برج ايفل)، ولندن (برج الساعة)، وروسيا (الكرملين)، مصر (برج القاهرة)، والسعودية ( برج الفيصل)، والكويت (أبراج الكويت).. ويكفيك مشاهدة النشرة الجوية وتعرف هوية كل بلد من عمرانها.. كذلك يبرز الإزدهار المادي والإقتصادي لدولة ما بصورة معمارية، وتتنافس الدول لإبراز عظمتها أو قوة اقتصادها بتبنى عمل معماري فريد ويكوّن هويتها للخارج مثلا ماليزيا (برجي بتروناس)، والإمارت العربية متمثلة بدبي (برج العرب وبرج خليفة).. وهاتين الدولتين على سبيل المثال تبحث عن هوية، وتكافحا جاهدتين في تغيير الفكرة النمطية عنهما، حيث الأولى كانت توصف بالبدائية،والثانية رُسمت لها صورة البداوة، وهذه الدول  تعيش طفرة اقتصادية فتسعى الى طمس هويتها الحقيقية وإظهار شخصية مغايرة للمكان، وتسويق هوية مستحدثة تواكب عصرها الاقتصادي. وتنتهى هوية ورمز البلدان بانتهاء إقتصادها، ولكن الأهم من ذلك هو التراث العمراني، ويعتبر مقياس لحضارة وعظمة شعب ما، وهو سجل يوثق فيه الموروث الإنساني منذُ نشأته على وجه الأرض و حتى مماته، وهذا التراث العمراني راسخ ومتجذر لا يمكن بنائه لتقدمه للأخرين ولكن ممكن إستنساخه لعظمته كما استنسخ (أبو الهول في الصن واي) أو (الإهرامات في متحف اللوفر) أو (مدينة شبام وصنعاء القديمة في الجميرا).
 
الموروث الإنساني المتمثل بالتراث العمراني في اليمن متنوع وفريد، وتختلف كل منطقة باليمن بموروثها إختلافا جذريا بسبب طبيعتها الجغرافية، وكل جغرافيا لها طابعها المعماري الخاص (شخصية المكان)، ولكن تظل تحمل هوية واحدة لا يمكن تفريقها او تفكيكها هي (هوية المكان) هوية يمنية خالصة. ثلاث مناطق في اليمن سعت واجتهدت اليونسكو لضمها إلى التراث العالمي ولم تجتهد اليمن في ضمها وانضمت صنعاء ( صنعاء...حوت كل فن) وسُجلت شبام (منهاتن الصحراء) ورُشحت زبيد (مدينة العلم والعلماء). أُهملت زبيد لعدم الوعي الثقافي، والآن هُددت صنعاء والسبب هو التغيرات الجوهرية الحاصلة في مبانيها وأحيائها، و شبام ما زالت تصارع بقائها في القائمة والسبب وعي ابنائها، أما الحكومة اليمنية فليس من أولوياتها الحفاظ على ذلك؛ لا سابقاً ولا حاضراً. وهذا الإرث المعماري والشرف بتسجيل ثلاث مدن (بكل ما تحملة المدينة من عمارة وأحياء وشوارع وأزقة وثقافة وإنسان) لم تحظي به كثير من الدول، حتى يمكنني القول أن اليمن بكله قطعة إرث عالمي World Heritage)). ما يميز تراث اليمن عن غيره إنه ليس تراث تأريخي (أطلال) أو (آثار) آو بقايا أثار لحضارة ما أو أثار إحتلالي، بل هو تراث عمراني يمني تأريخي ثقافي تفاعلي حتى اليوم، والأجمل إنه شُيّد بأيادي يمنية ومواد محلية. هذا التراث المتمثل بعمارة صنعاء وشبام وزبيد هو رمز اليمن عرفنا انفسنا وعرفنا العالم به، ولا نحتاج الى رموز معمارية تعرف بهويتنا اليمنية كما فعلت دول ذكرت سابقاً، ولكن الحفاظ عليها أقل ما يمكن عمله.

فالحفاظ على وظيفة هذه المدن التأريخية هو حفاظ على هويتنا.. وصيانة ملامح و معالم هذه المدن هي حفاظ لشخصيتنا.. فبداية الحفاظ يبدأ بوعي وادراك واعتزاز بقيمة ما نملك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق